بقلم : سيدمحمد الياسري
يحكى ان امرأةً عشقت رجلا واغرمت به حد الجنون، كان الرجل على خلاف من جهة مع عائلتها ، كما ان عرف وتقاليد العائلة يرى انه من طبقة ادنى ، اسم المعشوق (( إدريهم)) اجبرت الشابة على الزواج من رجل آخر ، لكن المرأة ، أقسمت ان تذل العائلة وتسمي أول مولود باسم عشيقها (( إدريهم)) ، جاء الحمل ، وأخذت تخاطب جنينيها وتناغيه ، وتسميه ( إدريهم) وجاء المخاض ، بالآلام والأوجاع ، وجيء بالقابلة( بمثابة ممرضة) الى بيتها ، وانتهت الولادة ولفت القابلة( الممرضة) الطفل من دون ان تراه امه ؟ فجن جنون الام العاشقة ، التي تريد ان تذل وتقهر أهلها، حتى ظنت ان القابلة متآمرة مع أهلها ، فجيء به لارضائها ، لكنها صدمت ، ثم لطمت على وجهها وصرخت تردد باللهجة الدارجة :
يمه إدريهم
يمه إدريهم
لا راس ولا رجلين
يمه إدريهم
يمه إدريهم
خرج الطفل كتلة من اللحم ليس له رأس ولا رجلان ميتا ،مشوها ، فغلب حظ اهلها ، على سوء فعلها! اليوم وزرارة التربية لا رأس يهتدى به ولا رجل تتقدم فيه ، فصارت عبارة عن كتلة ميتة تزداد سوءا وتشوهاً يوم بعد يوم !
الان نطرح سؤالا ليس للجدل ، بل نريد ان نفهم من خلاله سبب تدهور التعليم في العراق: من وراء هذا التدهور ؟ وما المقصود به؟ لعل الحديث عن رسالة التعليم ، حديث طويل ، وكلنا يدرك انها اعظم رسالة بالانسانية ! فلماذا تقوم الدولة باضعاف التعليم في المتابعة والقرارات وترك القيادة في يد الفاشلين والنفعيين وادراج التعليم تحت ظل التسيس غير المنهجي ؟ لو رجعنا للخلف لوجدنا ان المقصود من تدهور التعليم ربط الشعب بالدولة ، والحرب ، حتى جيء بسنة من السنين في الثمانينات حتى الناجحين سيقوا للحرب بحجة ضعف المعدل ( الدرجات) ، علما ان هناك نغمة كلامية ظهرت الآن في الشارع ، ان التعليم السابق افضل ، وهذه النظرة مغلوطة ، لان أنتاج التعليم السابق هو الآن ، بعد ما تقاعد المعلمون السابقون عن العمل الذي هم نتاج الاربعينات والخمسينات والستينات العقود الثلاثة التي بُني التعليم فيها بناءاً صحيحاً ، فكان انتاجهم لثلاثة عقود السبعينات ، والثمانينات ، والتسعينات ، لذا نرى على الرغم من الحصار الذي دمر الموظف عامة والمعلم خاصة ، فان المعلم بقي ثابت الجنان و الفكر ، نعم اليوم هو نتاج تعليم النظام السابق ، الذي اهتم بالحرب واراد ان يصبح الانسان جاهلا لا يفكر الا في فلك ضيق ، خائفا منزويا عن العالم ، جنديا يتبع آوامر قادته ان كانت على خطأ ام كانت صحيحة ! لذا علينا ان ننحني الى اساتذة الزمن الملكي ، فيما انتجوا من اساتذة لحد زمن عقد التسعينات ، وهذه ملاحظة اردنا تسجيلها كي لا يخطأ المثقفون كما تخطأ العامة ، لان انتاج العلم يظهر بالمتعلمين الذين يبدأ نظامهم بيوم تسلم الوظيفة ؟
بما ان التعليم يرتكز على اربع ركائز اساسية هي:-
١- الدولة
٢- المعلم
٣- المنهـج
٤- الاسرة
متى ما انهارت ركيزة ستؤثر على الركائز الثلاث ، فأن لم يتم اصلاحها ، سينهارن الثلاث معا ، ونادرا ما يكون تباعاً ،
ترابط الاربع بعضها ببعض هو الذي ينتج لنا تعليما جيدا ، فالدولة تعتبر الركيزة الاولى التي من دونها لايمكن ان تنجح العملية التربوية ، فقد يجهد نفسه المعلم والاسرة ان غابت الدولة ويعوضا ذلك ، لكن لفترة محدودة ، لان دور الدولة يقوّم الركائز الثلاث ويشترك معهن فهي تطور المنهج وتقوم المعلم وتبني الاسرة ، وتجعلها متأثرة بالتعليم وتتجه اتجاه علمي وثقافي، ووعي الذي يصل بين افراد المجتمع الى التفاهم المشترك على احلك الظروف السياسية والاقتصادية التي يمر بها البلد ، بكل هذا الطيف والتنوع من القوميات والاديان والافكار والقوانين والحضارة والعرق ، بل يصبح طيفا رائعا بالتعليم ، وبغيابه ، لا حاجة لذكر مايحدث الان بالعراق الذي غاب عنه التعليم والثقافة الآحادية التي واكبته لعدة سنوات وبنى جيل يقاتل الآن على اقل اختلاف بالرؤى ويتشنج بأي اطروحة يضعها نقيض له!
لقد اعتمدت السياسة للدولة سابقا على بسط ما ينفعها للحكم ودفع الانتاج للدفاع عن حزبها الحاكم بغض النظر عن الوطن ومكوناته وثقافاته الانسانية او العلمية ، فأنتجت لنا منهجا هشا ، لايتعدى المفاهيم العامة ، واسقطت من يد الطالب كل الثقافات والميول والنشاطات الفكرية ، التي تتيح له المعرفة ورفض الثقافات الاخرى كماهي:التقاليد والقومية او طريق الدين كمذهب ماهو الا عدوان او عمالة لدولة ، وجيرت مفهوم التعليم الى فهمها واحترامها ، حتى ان التعليم غابت فيه كل من :الثقافة ، والتاريخ ، والاخلاق … واصبحت مجرد هوامش في بعض الكتب التاريخ او اللغة العربية كامثلة للقواعد او الادب او التربية الاسلامية كشرح طفيف لاية قرآنية ، هذا كله درن اصاب المنهج ولازالت الدولة تغير فيه تغيرا مضحكا ساذجا وكأن حذف كلمة تعيد معيار التعليم او شعارا كان يتخذه النظام السابق الذي برمج التعليم لخدمة القومية والعنصرية والحزبية ، اليوم التغير وان حدث كانت ارهاصاته واخطاءه كثيرة لغة واصطلاحا في بعض المنهاج ومنها مثلا مادة العلوم في الابتدائية التي تعج بالاخطاء اللغوية من حيث ان الكلمة مغايرة للمصطلح، حيث لايزال المنهج لايفرق بين خلل وخلال ، كما ان منهج القراءة الذي هو اهم منهج ، متخبط جدا ولايرتكز على المفاهيم العلمية لتعلم القراءة فلازالت التلاميذ بسبب هشاشة الكتاب وضعف المعلم وضعف متابعة الاسرة والدولة ( عن طريق الاشراف) لازال التلاميذ يعبرون للصف الرابع والخامس وحتى عبورهم البكالوريا التي افسدتها الدولة -التي اصبحت محطة عبور للتلاميذ، وليس غربلة – الى المتوسطة قراءة معدومة اي ان التلميذ لايقرأ وكذلك ركيكة او ضعيفة بصيغة التهجي التي يجب ان تكون في نهاية الصف الاول ، والامثلة كثر عن هذا ، جاء هذا من موروث سابقا لكن اين هي الدولة ، حتى الدورات الخارجية التي تعملها للمعلمين مجرد صغيرة ، والى دول هشة عربية هي بحد ذاتها تعاني مثلما يعاني العراق ، اضافة الى المحسوبية وعدم اختيار المعلم او المدرس الجيد او الذي لم يظهر عليه مؤشر سلبي كالغياب والتسيب وعدم الانضباط …
ومن اهم الفقرات التي تعاني منها المدرسة ( مدراء المدارس) الذين اختيروا هشين كي لايطالبوا مدراء العامين والذين اختيروا حسب الاحزاب وتوافقات الحزب بالمحافظة ، فتدور الاختيارات في حلقات خاصة تعود بنفس الاختيار وان تبدل الشخص.
ان اختلال المعيار الحقيقي للتعليم منذ عقد الثمانينات ولَّد لنا ، حكومة هشة ، ومجتمع هش ، لايرقى حتى بالاختيار ، حين اتيحت له فرصة الاختيار، كما انه لاينجح حتى بالثورة ، لانه تبرمج على خدمة وانصياع منذ الطفولة التي حاولت الدولة البعثية جعل المجتمع فارغا وتبرمجه نحو اهدافها التي رسمها صدام بان يبقى الشعب تابعا خانعا له ، حتى مر في ظرف تصور ان الحياة لايمكن ان تستمر من دونه .. هذا الانخراط في التعليم هو اليوم يعطي ثماره ، لكن صار الزرّاع محروم منه وجاء ثماره الى عقول فهمت منهج البعث المقيت فاستثمرته لها ، لذا نرى ان المنهج لم يحدث به تغيير الا في حذف صور الطاغية ، وتغير بسيط بمفاهيم القراءة التي اهم درس اخلاقي ولفظي ، وتعليمي وتربوي، حيث غيرت الوزارة في الدرس من عادل الى احمد ومن فاطمة الى نور وهكذا ! وابقت على القصة كاملة وكأنما الهدف التربوي يعتمد على فاطمة واحمد او عادل ومصطفى او مراد… لقد فهم السياسيون الجدد ان المنهج الذي يدرس في سن مبكرة يغرس بمفهوم الانسان ويبقى طفل مدلل في نفسه حتى لو كبر ، وفهم ان المنهج المتلاحق صور غير ثابتة الدلالة للحرية ، وقد اناخ بعنق الحقيقة ، كي يصبح الانسان تابع لا اكثر حتى بوصول الاساتذة الى مستويات عالية ، فان الشروط المتبعة ، التي احيانا تخرج عن نفس القوانين المسنونة ، تجعل العبقري والانسان الحر لا يسير بها ، او ان نادرا مايخرج من تلك الشروط بمساعدة احد ، لان مايريده النظام ان الجميع في فلك واحد يدورون ومصير الجميع مرتبط بالديكتاتور الاكبر ، هذا العمل ليس فجأة ومحض مفكر جاء به لكن بتجارب مر بها النظام مع الشعب خلال ثلاثة عقود .. فكانت النتيجة مايمر به الان الشعب لايمكن ان يستطيع اختيار ممثليه بصورة صحيحية ، لان الاختيار اختيار قيادي وليس اختيار فردي كما تعود خلال عقوده الخالية ، لذا نرى ان المنهج وخاصة الاساسي قد رتب باسلوب تميع الانسان وان المعلم الذي يقود المنهج تربويا وعلميا الآن وهو من صناعة نفس المنهج ، اما الاسرة فهي جزء من تكوين صعب ، اصابها الخمول الفكري وضلت الطريق بمفترق بين التقدم الذي خسرته وبين نزع التقاليد التي اضاعتها ، وافضل مثال ماحدث في الثمانينات ان ٩٠٪ من المعلمات وخاصة بالاسر المتحفظة تركن الحجاب ، ثم عادت اكثر المعلمات بعد انهيار النظام ، بأول هزة بالتسعينات ، لتعود النسب جميعها ( باستثناء الاسر غير المتحفظة بالاصل) الى احضان الحجاب ، قد لا ينتبه لها احد هذه الظاهرة الا انها ظاهرة تعد من اخطر الظواهر لانها تعد ان التقلبات النفسية التي توضح طبيعة الانسان ومزاجيته وهي بكل الاحوال تقلبات لاتحمل مباديء ، وان الشخص المتقلب جاء من فراغ ودخل الى فراغ ، ولافرق بين الانتقال من الصح الى الخطأ او الانتقال من الخطأ الى الصح ، لانه لايوجد عمق فكري راسخ ، والراسخ لايمكن هزّه ، او تغييره ، هذه العلامة ليس بالتعليم فقط بل بكل وظائف الدولة لكن التعليم المساحة الاكثر لانها تحمل ( المتعلم – والمعلم)
لذا نرى ان الاسرة هي متغير وليس ثابت ، وانها نتيجة منهج ومعلم ودولة ويمكن الثلاثة ان يغيروا بها نحو الاحسن او الاسوأ ، وعليه يجب ان يكون التغير هرمي وليس قاعدي ، اي يبدأ من الدولة ويتجه نحو المنهج ثم المعلم ثم المتلقي الذي يكون النواة المستقبلية لاسرة ناجحة ..
بالطبع بحكومة وباحزاب كهذه لايمكن لها التغيير، لان اساس الدولة التي كان يقودها حزب وحزب يقوده فرد ارادت ان يكون الشعب خانعا كما اسلفنا ، وان الدولة الحالية بكل احزابها تسير على نفس المنهج او الاسلوب ، وان جميع الاحزاب اي كانت هي نفس حزب البعث من حيث الاسلوب والقيادة اي ان الحزب او الكتلة هي يقودها شخص واحد ديكتاتور وان الحزب بذاته لايملك حرية الاختيار بل يعيش بذاته من استبداد فكيف يعطي الحرية اذا حكم ، انه تحت مقولة (( فاقد الشيء لايعطيه)) لذا جميع الاحزاب هي اشتركت على نفس المنهج في الدولة ، لان هدفها واحد وان ما اعطته من حرية هو اطار للسير فيه لاحزابهم وليس للشعب ، ومنها افتتاح المدارس والكليات الاهلية ، وان ما يدخل من عامة الشعب بها اطار ضيق يمكن التحكم به واستخدامه لوظائفها الذي بالطبع كفرد متعلم عليه يدخل دهاليز السياسة تحت اي حزب فانه لهم، كصناعة او عنوان تابع ..
مامر من كلام يشير
– ان الدولة المتمثلة بالاحزاب والتكتلات القومية والفكرية والمذهبية هي تهدف لسير التعليم بشكل مترهل وظلامي
– الهدف من افشال التعليم للبقاء اطول فترة ممكنة بالحكم
– لايمكن للدولة المتمثلة بالاحزاب المستقلة ( معدومة) او التي شاركت بالحكم ، ان تحدث اي تغيير او طفرة بالتعليم ، لانها مشروع واحد استبدادي والحزب الذي يستبد باعضائه ويورث القيادة فيه كيف يبني الحرية ويقدم للشعب تعليما ينهض به والنهضة يعني نهاية حكمهم
الحل ثورة تخلع النظام الفاسد وتعلن موت هذا الوليد العار الذي لايملك رأسا ولا رجلين وتنهي لعبة تبادل الادوار بين كلمة لص وحرامي وتعلن للملأ : ان (( إدريهم)) قد مات.